خواطر قــويــه طويـله’
أقتبس من حبك ما يُبقي روحي نابضة، وأطوي في ذاكرتي ملامح وجهك التي تملأ أيامي بالمعنى. أنت تَمنح الحب بقدرٍ، وأنا أغرق في عشقي لك بلا حدود. أكتفي بك في ليل وحدتي، أذوب في صمتي، وأتوه في غيابك وسط شجن لا يرحمني ولا يترك مني شيئًا سوى بقايا حطام.
أسير خلف طيفك في برد البعد فلا ألقاك. أفتش عنك بين حبات المطر وآثار الخطوات التي تمضي بعيدًا. أبحث عنك في زوايا هذا الوجود وأركان الحياة الخفية، فأنت عالمي بكل تفاصيله، ولا عالم لي دون وجودك.
أنت قوتي التي تدفعني لتسلق جبال الحب حتى ألامس السماء، وأنت ضعفي الذي يسحبني إلى أعماق الأرض بلا رجعة. صفاء نفسي أنت ونقاء دواخلي، وما يكدّر نقاء مزاجي حين تغيب هو صدى نبضات قلبي المتعبة.
حين تقع عيناي عليك، تتكشف لي أسرار الكون وتنفتح الحياة ككتاب مبين. تفاصيل الأشياء الصغيرة تصبح جلية في ضوء رؤيتك وكأنها حلم يزهر كل مرة. بحضورك يصبح العالم أكثر اتساعًا وألوانًا، والسماء أكثر نقاءً، والعمر يمتلئ سنين من الأمل.
أحملك في قلبي مع هدوء الليل، وأجمعك في ذاكرتي قبل أن أسلم نفسي للنوم. وفي أحلامي، أعيش بك ومن خلالك، متنقلًا بك من حلم إلى آخر، لأنك أنت عالمي بأسره، فضائي الممتد بلا نهاية.
خطواتها ترسم في عقلي اضطرابًا يسلبني ثباتي. دقات قلبي تتناغم مع أجراس تنذر بالخطر، لكني أقبل التلاشي إذا جاء لقاءها نصيبي. إن لم أصل غدًا إلى موعدنا، فلا تحمل همًّا. سأصير ظلًّا يتتبع عبيرها أو ذرة تراب تمضي على دربها لتُنبَذ بلمسة خفيفة وأعود إليها محطم الكبرياء.
انتظرتها اليوم طويلًا وما زلت منتظرًا بصبر ثقيل. سأنتظرها غدًا أيضًا بين ارتقاب وسماع، أصغي إلى همسات المساء لعل خطواتها تأتي بأمل ولو كان واهنًا. سأغرق في الهذيان حتى تستجيب لي.
عندما أعود اليوم إلى المنزل خالي اليدين وخائب الأمل، سيغلق الباب على حسرتي وصمتي. سأجلس على الأرض، أبكي بحرقة دفينة، وأغمر وجهي بين أصابعي كمن يحتاج للصراخ ليهرب ألمه.
دعينا نُخلد لحظاتنا برقصة تحمل دلالات لا تُنسى وتترك أثرًا كمنارة للعشق. كانت رقصة الشموع دليلنا على الماضي المشترك، وظلالنا المتشابكة تجسد حاضرنا المشترك، كما أن انطفاء الشموع وحلول الظلام يختصر مستقبلنا الذي قد يشوبه الفناء.
دعيني وإياك نصنع قصص حب جديدة ونحتفل بما ولّى وعبر، نعيد خلق الملاحم والحكايات عن عشق يُولد كل يوم من أجنحة أناملنا التي تلتقي. لنذوُب معًا حتى نصبح واحدًا يحتضن الكون نبضنا الموحد، ككيان لا يفصل فيه أحدنا عن الآخر.
لنُسرف في كلمات الحب، فالوقت يمرّ سريعًا، والحياة لا تنتظر. ألم يحن الوقت لنختبئ في أرواح بعضنا البعض، لنتّحد في نبضات قلبينا ونعيش تلك الوحدة التي يتوق لها كل عاشق؟
لنواصل طريقنا، خطواتنا مترابطة، نمضي بها نحو النهاية معًا. فلا حياة تبقى لنا إلا ونحن كيان واحد، لا يكتمل أحدنا دون الآخر.
لا نكتفِ بما نحن عليه الآن. فلنسمُ بأنفسنا ونزيد من وجودنا، لنختصر من هذا الكون لحظات، ونعيش في حيز بسيط يحمل كل شيء. الكون كله أصبح لنا، لكِ ولي فقط.
ولكن تذكّر، ابقَ واعيًا، ولا تهمل التفاصيل الصغيرة التي تصنع الحياة. فالذاكرة حين تملّ من الحاضر قد تقذف بك نحو ماضٍ ثقيل، تجرّك إلى أعتى ذكرياتك وأشدها قسوة. وإن حدث ذلك وكانت لها الغلبة، ستغرق في دموعك على سلامٍ ولّى منك. ستكون ضائعًا، عالقًا في زوايا ذكرياتك التي لن تتركك طيلة حياتك.
حينها ستتوهّم أن النهاية قد حانت، لكنها ليست نهاية حقًا. إنها فقط أطياف نهاية كادت أن تحدث. قد انتهت تلك اللحظة عندما ظننت أن نفسًا عميقًا هو الأخير، ثم جاء نسيم أعاد الحياة إلى جسدك الهامد. أتذكر تلك اللحظة؟ تلك ليست سوى خاتمة مؤقتة.
ذلك الشعور سيلازمك، سيطرق باب أحلامك لينتظرك عند وسادتك، يخنق صدرك ويثقل حلقك بحرقة لن تهدأ بسهولة. ستمضي الليالي الطويلة قبل أن تمنحك ذاكرتك فسحةً من الراحة وتترك بالك مرتاحًا لبعض الوقت.
الأيام ستمر، وسيغشّك الزمان؛ تنسى الألم وتعتقد أنك تجاوزته. ستضحك وترتاح مستسلمًا للسلام الخادع، لتجد أن الذاكرة تُهبط عليك فجأةً في ليلة حالكة. تتسلل عبر ضيق أنفاس غير مبرر وظلال صفراء انتشرت دون سابق إنذار.
ومع كل ذلك، ستحاول الاحتماء خلف جدارٍ من برود الرماديات، تخبئ داخله جروح الضحكات التي أُجبرت على ذبحها على شفتيك. لكن الخبر السيئ أن ذلك الجدار نفسه سيلتهم ألوانك المبهجة تدريجيًا، ليتركك في عتمة تبحث فيها عن وميض النور البعيد في نهاية النفق.
سترتكن إلى سريرك بعد صراع طويل. ستضم يديك، تهمس بشيء من الأمنيات المتناثرة عبر ذكريات سعيدة تحاول التمسك بها لعلها تصبح خشبة إنقاذ تعيد إليك اتزانك.
ما زالت أمُنيتي بأن أختفي تراودني. لم تعد مجرد أمنية زائلة، بل تحولت إلى رغبة مُلحة وضرورة تكبر بداخلي كل يوم حتى باتت خيارًا لا غنى عنه.
اللغة:
لن أعود إلى عالم يرقص فيه الحنان على أشلاء مشاعري المنكسرة، ولا إلى عالم يتسلط فيه الفرح على روحي وأنا بين أحضانه، فاقدة له.
فلينتظر الصبر زوال النار التي تحرقني، وليصغِ للشهقة الأخيرة لشمعة قبل أن تختفي. لأن الشمعة كالعمر، تذوب وتنتهي كما تذبل القلوب وتفقد بذورها نبض الحياة. تعبت من كلمات الحب التي لا تتجاوز كونها حروفاً تُقال، وتعبت أكثر من عواطف لا تزيد عن وردٍ على وشك السقوط.
سأكف عن الانتظار وأترك الأمل، سأغمر نفسي كقطعة سكر في حب بلا بداية معروفة ولا نهاية متوقعة. سأهمس لقلبي بحبٍ نقي وشغفٍ متجدد، وأضم بين ضلوعي ما بقي لي من فرح ومجد. سأدخل قلب من يحبني وأبقى فيه إلى الأبد. رغم الألم الذي يكسرني، بالحب أمضي، أسند نفسي على كتف قلب يهتف معي في رحلة نمضي بها معاً. تشع الدنيا بلقاء أعيننا، وتضيء الكون بلمعة حبنا.
إبحث عني في تلك الزوايا حيث تركت أيامك وآثار خطواتك. ضع مشاعرك جانباً، اتركها معلقة مع أقنعتك وثيابك القديمة. اغتسل في سيل من الحنان والحب، وارخِ تعبك بين ذراعيّ لأطير بك إلى عالم من السعادة والقصائد التي لا تنتهي جمالاً وهياماً. سأعلن للعالم أنك أنت الأجمل.
أذوب وأتماهى مع نغمة صوتك الدافئ، مع أنفاسك التي تحمل أماناً ومعنى. ثم تدفعني إلى فضاءات أبعد، حيث أحلق كعصفور حر يبحث عن نشوة الحياة. أقدم إليك كل ما تبقى مني، مثل أم تخطو نحو صغارها بالطعام والحب، ومثل الحياة حين تهب لمن يستحقها أجمل ما فيها.
أنت الأجمل من كل أبيات الشعر، الأقرب من كل الكلمات في قاموسي، والأكمل من كل النهايات الممكنة. أنت البداية والنور الذي يسبق كل أحلامي، أنت المضمون والجوهر. وما معنى الحياة إن لم تبدأ بتلك النظرة في عينيك أو بتنهيدة ناعسة تتسلل من شفتيك؟ أنت محور الحياة وكنهها، نبضها الراسخ.
أما أنا، أرهقت نفسي في البحث، سقطت في نيران ألمي وانكساري، بحثاً عنك في طرقاتٍ بلا اتجاه. أطرح نفسي على ذرات الرمل وحبات الحجر؛ أذوب بينهما بدموع لا تنتهي.
جلست أصرخ وأطرق الصخور برجاءٍ مجهول، أرمي على الأرض كل ثقل غضبي، أبكي الغيوم حتى تُظلم حياتي أكثر. أطارد البحار وأزرع مكانها صحراء مشتعلة لا تعرف سوى اللهب.
وهناك أنتِ، تسبقين ظلال الحب إلى الأفق البعيد. تخيطين أثواب العشق من موت النهار عند المغيب، وتنثرين النسيم ليحمل نداء عشق لك صوت العطر والغزل.
مضيتُ خلف خطواتك الراقصة في المساحات الخالية حيث تبحث العيون عن همسك العابث. واقتطفت وروداً ذابلة لتحكي معاناتي عند شواهد الذكرى البيضاء. أدَنو نحوك حتى تجبرني الحقيقة على الانكسار كورقة وردة حملتها الرياح؛ وقصدت أمَّها تتوق لمعنى الأمان والدفء الذي لا يُخفيه الكتمان.
