خواطر طــويــلـه تـعـب عــمـري

 

خــواطــر طـويلــه تعب عـمـري



ومن فرط البهجة التي تعتريني، التزمت الصمت وسمحت للدموع أن تبوح بما يختلج داخلي. عجبت كيف أن الأحلام أحيانًا تخذلنا، بدلاً من أن تتحقق، تُبعثرنا، وتوقظنا لنعيش خيبة الواقع. يا حلم، لماذا لم تأخذ مكانك في الحقيقة؟ ليتك تتجسد، ولو للحظة فقط، نلامس تفاصيلك.


أجد في منظر الغروب نوعًا خاصًا من الجمال، رغم أن كل ما أحببته رأيته يغرب ويختفي. بيد أن الشمس حين ترحل لا تترك أثرًا مثل باقي الأشياء؛ لأنها تعود وتُهدي لنا قمراً، بينما الرحيل الآخر قد يحملنا الخيبة.


حين تضيق الدنيا بغيرك، تزدان بمعناك. الكلمات في حضورك تصبح طيبة، والمديح لك يليق. يكفي قربك ليبدد همومي، وحتى حين أقول "أحبك"، لا تكفي هذه الكلمة لتعبر عن مشاعر حبيب تُصفي له الروح بأصفى ما فيها.


أحبّك حبًا يتجاوز حدود الإنسان، حبًا لا يمكن للدفاتر أن تسطره ولا الألسنة أن تصفه بدقة. عيوني تحكي عن أسراره حين تنطق به، والقلوب حين تُسأل تعترف بالوله. حبّي لك لا يشككني، بل يزداد يقينًا مع كل نبضة ومع كل لحظة تُحفَظ بيننا.


من الغرام، أخذت أجمل شعور وأمان، وكل أيامي بجوارك ازدانت وزهت. ولكن أين أنت؟ غاب وجهك، وضاق بي الوقت حتى صار قلقاً وسخطاً. افتقدتك كمن يفتش عن وطنه وسط الشتات ولا يجد غيرك ليؤوي قلبه ويُسكّن أسراره ومخاوفه.


في عقلي ضجيج أفكار لا ينقطع، عاصفة تصطدم فيها الأفكار بعضها ببعض، وكل صمت يغوص في أعماق ذلك الصخب. وبين هذه الفوضى، يبحث القلب عن ملجأ لكنه يصطدم بموجة جديدة من التساؤلات مع كل نبضة.


حين غنى أبو نورة قائلاً "يعني تتركني لمين لمين ولا عندك مالي خاطر"، فقد كان ينطق من قلبه بصدق لا لبس فيه. كان يخاطب شخصاً أحبه بعمق وتفانٍ، دون نية للعب أو لتسلية عابرة. سؤاله حمل استعداداً للفهم والمسامحة، لكنه رفض الانكسار بالكذب وعدم الصدق في النوايا.


لماذا الإصرار على اعتبار سرعة التجاوز علامة على كذب المشاعر؟ يمكن للشخص أن يمنح 99 فرصة دون أن يعاتب الآخرين على إساءتهم المتكررة. لكنه في تلك الفرص يُطفئ تدريجياً مشاعره تجاههم؛ ليصل بالنهاية إلى قرار إنقاذ ذاته من ألم الاشتياق وسوء العلاقات.


كلماتك ليست مجرد حروف؛ إنها حياة تنبض وتأسر الروح بشدة. بصمتك تركت أثرًا كما يترك الفجر ضوءه في ظلمة الليل. كل حرف منك يفتح باباً للأمل والانتظار، بينما أقف أمامه وأتأمل حضورك الذي أراه في كل ظل وكل لحظة صمت.


هناك أرواحٌ تحمل في صمتها عمقًا يتجاوز قوة الكلمات، كل حرف فيها ينبض بالحياة، وكل لحظة من الصمت تفتح بابًا إلى أمل لا يزول. حين أقرأ عنها، أشعر بوجودها يمتزج في قلبي كما يمتزج شعاع الفجر في عتمة الليل. الحب لديها ليس مجرد كلمات عابرة، بل حياة تنساب إلى الروح وتمنحها دفئًا لا ينتهي.


هناك شعور غريب عندما يكون الحنان مصدرًا للألم؛ حنان يعبر إليك ويتجاوز الحدود ليؤذيك رغم أنك تمنحه بصفاء. هذا الشطر دائمًا يوجعني، وكأن الملح يُرش على الجرح. أكثر ما يؤلم قلب الإنسان هو عطفه الزائد، رفقه المتكرر، واهتمامه بالذين لا يستحقون ذلك. أما من يستحقون، فهم بالنسبة لنا الحنان بأكمله، وبهم نُنعم أعيننا وروحنا.


الكلمات أحيانًا تقف عاجزة على أطراف الشفاه كأنها تبحث عن معنى وسط بحر المشاعر وتفقد الطريق. تظل صامتة، شاهدة على ما لم يُقل، وتترك القلب يُعبر بصوت داخلي لا يسمعه إلا صاحبه.


أولئك الذين يستحقون مكانًا في قلبي لا يطلبون مني أن أكتم ضجيجي أو أن أصوغ عباراتي بما يبدو مثل عرض مُرتب. هم الذين يستمعون لترددات صوتي ونبض قلبي دون أن يكون هناك حاجة للتزييف أو خوفٍ من سوء الفهم. وجودهم يجعلني أشعر بالأمان، وكأنني أكتمل بحضورهم بلا نقص.


سلامٌ على من يحمل رقة القمر في حضوره وارتعاش الحروف عند وصفه. إن وجوده يضفي نارًا إلى الهواء برائحة أنفاسه، وحنين القلب يتزايد كلما استشعرت قربه. لو وضعت يدك على قلبي مرات ومرات، ستعي أن الشعور بالحنين إليه لا ينقص، بل يزيد دائمًا.


نادرًا ما تستوقفني القصائد؛ عادةً أتجاوزها بمجرد الوصول إلى نهاية الشاعر. لكن قصيدة تركي الميزاني "يا جرح المفارق" كانت استثناءً... كل مرة أسمعها، أشعر وكأنها أول مرة تُلامس قلبي وتمتلئ فيه بكل المشاعر الغامضة من حزن وخيبة. حتى أتساءل: أهي خيبة تركي أم خيبتي أنا؟


الاهتمام هو لغة صامتة عميقة لا يجيدها الجميع؛ هو تفاصيل صغيرة تتحدث كثيرًا دون أن تنطق. هو ما يجعل القلب يشعر بأنه مفهوم ومرئي بكل وضوح. حين يمنحك أحد اهتمامه، فهو يعطيك جزءًا من روحه بلا مقابل.


اختاروا كلماتكم بمنتهى العناية كما تختارون ملابسكم. لا ترموا عبارة سيئة على قلب قد يكون مثقلًا بهموم لا تعلمون عنها شيئًا. ولا تحكموا بنية الآخرين دون معرفة تامة بحالهم. ولا تظلموا إذا لم تملكوا دليلاً كافيًا. كن حذرًا من الاستماع لكلام الناس دون رؤية ما يجري بأعينكم. تذكّروا أن الحياة تسير وفق مبادئ "كما تُعامل يُعامل"، وستجد أن كل شيء يعود إليك بالمثل.


بكيتُ، وهل يجدي بكاء القلب؟ فِراق الأحبة يترك وراءه فراغًا موجعًا وحنين الوجود لا يهدأ. فما معنى الحياة إذا غابت عنها أحبابها؟ النحيب لا يحمل شفاءً وقد تركني بين الذكرى التي تؤرقني والشوق الذي يحرمني من الراحة.


ما زالت المعصية تُطل في صور الشوق؛ والعشق بكل ما فيه ذنبٌ لا يمكنني إخفاؤه. أشتاق لذنبي لأن في عينيكِ أجد المغفرة التي تحتاجها روحي. يا ذنب العمر ويا أنقى لياليه، ماذا يفيد الأسى؟ لقد أدمنتُ معصيتي وأصبحتُ أرى العمر بأسره في عينيكِ مسارًا نحو الغفران. قلبي ضل الطريق فكيف لي أن أهديه؟


كل سبب يؤدي إلى نتيجة، وكل نتيجة تحمل في طياتها سببًا لشيء آخر يتبعها. الأغلبية ترى فقط الجزء السطحي من الأمور دون القدرة على الغوص نحو السبب الحقيقي، ذاك الذي يكمن في أعماق لا يسبقها أي سبب  واضح للعيان.

(يـــتــــابــــع)

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال