خـــواطـــر طويله تعب قلبي
من يطفئ وجعي؟ كنت أرجو أن تسمع مني كلمة واحدة لتدرك من أنا حقًا، ولكنها تجاهلتني بغرور واستمتاع بتواجدي دون أن تعاني وجعي، بل لم تجد مني سوى حبٍ شديد.
تعتقد أنني سأغفر لها وهي قد افترت علي بما ليس فيَّ، ولا تزال تحمل في قلبها خبثًا، لذا سأتركها لتعيش في عالمها مع من اختارت، والأيام كفيلة بكشف حقيقة كل إنسان.
لو كانوا يعرفونك بصدق، لكانوا أدركوا أن تغيّرك لم يأتِ من فراغ، ولعلموا أنك خضت معارك على حساب نفسك وتمنيت لو كانوا يفهمون ذلك. تعلم أنك مرهق جدًا، ولكن المؤسف أنهم لا يشعرون بك كما ينبغي.
قالت لي: "كبرتُ، فأين حظي في الحب؟" فأجبتها: الحب لا يُقيّد بالعمر؛ لم تكبري بنظري، فأنتِ ما زلتِ طفلة جميلة أستلهم منها الأشعار. لم تغير الأيام مشاعري تجاهك، بل أصبحتِ رمزًا للجمال الذي يملأ عيني بحب وقرار. عمرك لا يحسب بيننا كسنوات؛ بل بالوقار الذي تضيفينه إلى الحب.
حين وقف صديقي الظالم حاملًا سيفه الحاد، أصبحت بعد رؤيته في حالة سيئة. يبدو أنه يخطط لشرٍ كبير، والظروف كلها مهيأة له. أحزن لوجود شخص ينكسر في طلب العون من صداقات قاسية ومن أوقات جائرة، وهو كان بالأمس قريبًا وطيبًا.
كلما ازدادت معرفة الإنسان أو زاد أدبه وعلمه، تضاعفت قدرته على الاستغناء عمّا ليس جوهريًا. همومه تتقلص، وأحلامه تتأقلم مع الواقع. يدرك حقيقة الحياة بشكلٍ أفضل: متى يبذل جهده ومتى يمضي هادئًا. أما عن الأشياء التي أردتها ولم يُكتب لها، فأنا أرسل سلامًا من قلبٍ متسامح.
يا جمرة الوجد المكنونة في ذكرياتي ويا عقد البحر الذي يحوي أندر اللآلئ، حين يظهر بدرك في الليل، أسري وراءه. وحين يختفي، لا يصبح صباحي كما عهدته. أساور الشك الطبيعي وأناجيه في خيالي وأصعد إلى قمم الغلا لأبحث عنه بصمت.
أحيانًا أفارقك اليوم وأجدك في الغد، وأحيانًا أشعر بأنك خارج مداري. وفي أحيان أخرى تبدو لي شيئًا ما طويته داخلي دون إدراك. أقاسمك بعض الأشواق وأفكر فيك بعمق، ثم أندم على خيالاتي وأبكيها، أرثيها وأحاول تركها خلفي كمن ينظر نحو المستقبل بعيون دامعة.
ليس لي سواك، وكل نبضي يهتف باسمك؛ حبك يسكُن قلبي بصدق لا يشوبه العاديّ. كم أتمنى أن أبقى دائمًا بقربك وأن ينحني عمري ليصبح زادًا لك. روحِي تفديك ولا يتسع صدري لأحدٍ سواكَ.
حتى لو طالت الأيام وتعاظمت المسافات، قلبي يبقى متعلقًا بك؛ لأنك الهوى وسند العمر كله. شرفي هو وصف محبتك في بحرٍ لا نهاية له، وظل شعري تائهًا في التعبير عن عمق غلاك وعن هذا الجهد الذي تفوقه المحبة.
من شدّة الشوق، أصبح نومي عصياً، والليل لا يمر إلا محملاً بطيوفها التي تسرق مني لحظات السلام. تلك الابتسامة التي ظنها الجميع علامة السعادة تخفي وراءها قلباً رهين الحزن، يتأرجح بين جوفها وجوفي. مرت عليّ، لكنها لم تكن كسائر العابرين؛ فقد أخذت معها قلبي مستسلماً على كفّيها، ورحلت بترك أثر لا يُنسى.
سافرتُ بنيّة الرحيل ونسيانك، لكن السفر لم يُبعدني عنك بل زاد من الغلا في قلبي مع كل محاولة للنسيان. حتى وأنا على متن الطائرة كانت ذكرياتك تملأ عالمي. كيف يمكن لقلبٍ يهواك أن يبتعد؟ أنت حبيبي، وكل نبضة فيه تنبض من أجلك.
ولكن الظروف الحتمية كسرت قلباً مغرماً بك، ظروف لو لم تكن حاضرة لما تركتُك يوماً. لم أرَ منك سوى لياليٍ مليئة بالبهجة، ذكريات جميلة عاشها قلبي برفقة طيفك، وشعرت خلالها بالسعادة الحقيقيّة وكأنني أعيش في إحدى جنّات الدنيا.
أنت الوحيد الذي له مكان في قلبي، الذي يبهج روحي بحضوره والذي لا يمكن لأحد أن يُنافسه في مكانته. أنا ملتزم بك بعمقٍ يحول بيني وبين أي اختيار آخر. أحبك حباً صافياً بلا تنافس أو سوء نية، حباً يتغلب على كل المصاعب.
وفيما الحياة تجمع أصناف البشر بمختلف أطيافهم، هناك من يظهر جماله وهو عميق الخفاء، ومن ينغمس في قبحه كما فعل بوكاسا الأول ليسطر صفحات سوداء في التاريخ. يعدُّ البعض من يرتدي الأقنعة أسياد النفاق، وهكذا تسير حياة تتداخل فيها النقاء والظلال.
قرأت مرة بيتاً يقول إن الثقل رمياً بلا رامي، وعذرت الرامي حين غاب عن الظاهر لكن القلب رأى أثره واضحاً. إنها الحقيقة الجارحة: الوجع يأتي دائماً ممن نحبهم، ممن وثقنا بهم وأعطيناهم مفاتيح قلوبنا، ولهذا يصبح الألم مضاعفاً عند الخذلان.
كنت أحبك واعتقدت أنك ستفني حياتك لأجلي، كنت أروي عطش الحب من صفاء قلب طاهر. لكن خلف الستار كان صوتك مليئاً بالأكاذيب وقلبي الطيب صدّق دون شك. رأيتك نوراً في ليالي الظلام وظننت أنك المخلص الذي لا يخون الودّ.
لكن الأيام كشفت الحقيقة، والجرح أصبح غذاءً لكل لحظة صادمة منك. ما كنت تضحك معي إلا ووراء ضحكتك قلوبٌ لا تمت لي بصلة، قلوبٌ تهب حبها لغيري. الآن لم يبقَ إلا الصمت كخيار يليق بما تبقى، ولكنني لن أتحمّل ندّية الطبع الذي لا أطيقه ولا يناسبني.
في ساعات الليل المتأخرة، يغمرك شعور مفعم بالأحاسيس، بينما تستمع لعبد العزيز المعنّى وهو يردد: "علّميني ليه أنا أسأل عليك وأنا عارف رجعتك صعبة معاك." إنه الشعور الذي يأسرك بين خيارين يصعب الفصل بينهما: العودة إلى ذاتك القديمة أو المضي قدمًا لتجاوز الماضي. وما يزيد الأمر تعقيدًا هو أنك كلما بحثت عن قلبك، تجده هناك، وكأن هذا الشخص بات جزءًا منك لا يمكن انتزاعه.
أما أنا، فأجد نفسي أسير في طريق، أفضّل استكشاف ما قد يؤدي إليه دون أن أتوقع أو أخشى شيئًا. لا أريد أن أنتظر الوصول إلى هدفٍ محدد أو أن أستبق الأحداث. فما الفائدة من معرفة ما لا يمكن تغييره؟ وعلى الأرجح، قد تغيرني تلك المعرفة أكثر مما تغيّر الأمور نفسها.
ثم تذكرت حلمًا جميلًا؛ لحظة رأيتها وهي تحملني بلهفتها وشوقها، وكأن الزمن عاد ليجمعنا من جديد. جاءتني بشوقٍ يكاد يسبقها، وأنفاسي لم تعد تتسارع إلا باسمها. حين احتضنتها، اختفى كل ما كان يشغل قلبي، وكأنه وجد في تلك اللحظة ملاذه. كأن الحياة قدمتها لي بعد انتظار طويل ينادي بها.
